سلسلة الفنون الافريقية
الحلقة الاولى( القنـــــــــــــــاع )
الفن الإفريقي فن متميز بذاته وله طابعه الخاص كغيره من الفنون العالمية، فلقد جمعت الفنون الأفريقية بين جملة من القيم الروحية والمادية المتداخلة، إضافة إلى تنوع خاماتها وموادها وارتباطها الوثيق ببيئتها الطبيعية
والاجتماعية واستخدام هذه الفنون في توفير وسائل العيش المختلفة من قدور وصحون وملاعق ووسائل شرب ومقاعد وأسرّة وقلادات وعناصر تزيين وتجميل للإنسان والحيوان وسلاح للدفاع وأدوات صيد. وغير ذلك مما يحتاجه الإنسان في بيئة ريفية تقوم فيها الحياة على الزراعة ومنتجات الحيوان والصيد،كما استخدمت لأغراض أخرى عقائدية وأسطورية
مرتبطة بالقبيلة أو العشيرة أو بالأعياد والمهرجانات والمواسم والعادات والتقاليد.. إلخ. ونتيجة ما تحمله الفنون الأفريقية من قيم فنية وجمالية رفيعة انتشرت وازداد الطلب عليها، خاصة من قبل الأوروبيين الذين وجدوا فيها عفوية متناهية
وقيما إنسانية دلالية وفنية رفيعة، فكانت الفنون الأفريقية إحدى أبرز اهتمامات الأوروبيين حيث أصبح يقام لها معارض متلاحقة في غالبية دول العالم، كما ازداد عدد المشتغلين في إنتاجها لتلبية الطلب المتزايد عليها، بعض الفنون الأفريقية الرفيعة يعود إلى العصر الحجري حيث كان الفنانون يزخرفون جدران مساكنهم الحجرية بنقوش مستلهمة من البيئة حولهم، ثم تطورت هذه الفنون والحرف مع تطور الإنسان، لتستخدم خامات ومواد جديدة. ومن أهم وأبرز خصائص هذه الفنون والحرف ارتباطها
الحميمي بطقوس الصيد، والدعوة للحروب، والحب، والزواج، والعمل، والسلام، والحياة اليومية للإنسان الأفريقي الذي لازال متمسكا بجذوره وتراثه، رغم رياح العولمة وعواصفها التي هبت عليه وعلى غيره من سكان الأرض في مختلف الأقاليم والأمصار. أما المرأة الإفريقية القديمة والجديدة مثلها مثل بقية نساء العالم عرفت وسائل الزينة واستخدمتها منذ عصور التاريخ الأولى والبعض منهن مازلن يستعملن حتى اليوم نفس الوسائل والحاجات التي تجعل منهن جميلات، ، ليس لتعذر الحصول على الوسائل الجديدة الخاصة بذلك وإنما لارتباط هذه الزينة بمعتقدات ورموز وعادات
وتقاليد مازالت المرأة الإفريقية تؤمن بها وتحرص عليها رغم غرابة بعضها الذي يصل إلى حد الدهشة والتعجب، وغالبية هذه الوسائل مرتبطة ببيئتها فهي تعتمد بشكل رئيسي على مواد وخامات هذه البيئة المتنوعة، وهذه الوسائل في الغالب لها أكثر من مهمة ووظيفة إلى جانب المهمة المهمة الرئيسة المباشرة وهي التزيين، وفي طليعة هذه المواد والخامات النسيج، والخرز،والزجاج، ودروع السلاحف، والأصداف، والجلود الحيوانية، والخزف، والخشب، والنباتات، والعظام، والعاج، والفخار.
الفن
الإفريقي البدائي هو ثمرة المواهب الإنسانية الإفريقية منذ أقدم العصور، وقد كان
هدفه تلبية متطلبات المجتمع الإفريقي، وتوارثته الأجيال المتعاقبة فأسهمت في
إثرائه فكرياً وتشكيلياً بعفوية وصدق وذكاء الأمر الذي منحه خصائص متميزة جعلته
أحد الفنون العالمية، وله تأثيره الجمالي الخاص، ويقدّره كل من يتمتع بحس حضاري.
فالفن الإفريقي هو مرآة المجتمع الإفريقي في
مزاياه الخلقية ونظرته الفلسفية ومعاناته اليومية
الفن الافريقى من الماضى إلى الحاضر
لتاريخ الفن
في إفريقيا ماضى طويل مستمر وهو ماض يستكشفه الدارسون اليوم فقط وكان أقدم فن
أكتشف في إفريقيا يتمثل في الحفريات والرسوم على أسطح المخابىء الصخرية التي ربما
كانت تستخدم بإعتبارها بؤرا طقوسية لشعوب ما قبل التاريخ ، وإذا كانت موجودة في كل
اقليم الصحارى وفى إفريقيا الجنوبية على السواء ، فإن بدايات هذه الأعمال المحركة
للعواطف ترجع إلى عشرة آلاف سنة تقريبا في الصحراء والى حوالى سبعة وعشرين الف سنة
في إفريقيا الجنوبية ، وكانوا فنانو إفريقيا الجنوبية هم شعب السان ، ولقد كانت
خربشاتهم ونقوشهم تصور الحيوانات التي صادوها وتصور مناظر من أنشطتهم الطقوسية .
فلقد تم العثور على ما يكفى من الاعمال الفنية التي يمكن أن يفخر بها الأفارقة
بحق: أذ أن فخار نوك Nok الممتاز
والذى تم ابتكاره فيما بين النصف الثانى من القرن الأول قبل الميلاد يعد شاهدا على
ذلك.
فالدليل على
وجود تاريخ للفن الإفريقي يمكن استعارته من مصادر متعددة وبخاصة المصادر الطبيعية
، ويعود الفضل في اكتشاف الفن الافريقى إلى الاكتشافات الأثرية والتي تتعلق بصور
الحيوانات الملونة التي وجدت في موزنبيق في بداية عام 1721.
في الحقيقة
أن الفنانين الأفارقة غالبا ما يعمدون إلى تنحية الواقعية جانبا لكي يستمتعوا
بخداع الصور التجريدية التي تعكس عوالم أسطورية وغير معروفة لديهم وبالإضافة إلى
ذلك يستخدم الفنانون الأفارقة تقاليد وأعرافا معينة بغرض التأكيد على كذب ما
يعتقدونه غير جوهري وفى المبالغة فيما يعتقدون أنه جوهري ، فمثلا عندما يصور
الفنان الافريقى رأسا بشريا بعيدا عن التناسب الصحيح مع بقية الجسد ، فليس ذلك
لأنه لا يعرف التشريح الانسانى إذ أن المبالغة المتعمدة في الرأس تعكس رغبة الفنان
في التأكيد على أنها مركز العقل ، وللفنان الأفريقي الحرية في تفسير الجسد البشرى
أو الأجساد الأخرى حسبما يرغب .
إن مستقبل
الفن الافريقى مستقبل باهر لأن الكثير من المؤسسات تضم متاحف جديدة متخصصة لدراسته
والاستمتاع به، ولقد شهد العقد الأخير ميلاد الفن الافريقى في واشنطن العاصمة،
ومتحف الفن الأفريقي في مدينة نيويورك ومتحف دابر في باريس Dapper museum in Paris . كما أن الجامعات الأمريكية تقوم بتأسيس أقسام
جديدة للدراسة ومنح درجات عالية تصل إلى درجة الدكتوراه في تاريخ الفن الافريقى .
كما أن الهيئات المحترفة مثل مجلس رابطة الدراسات الإفريقية تقوم بالترويج للفن
الافريقى .